نقل الكتابات المقدسة والقرآن
نقل الكتابات المقدسة والقرآن
لا يمتلك المسلمون ولا المسيحيون “مخطوطات أصلية”، وامتلاك مخطوطات أصلية من أي شيء لا يجعل هذا الشيء “كلام الله”، وكذلك امتلاك نسخ بشرية الصنع لا يعني أنها ليست “كلام الله”. لا يؤمن المسلمون بأن الله سلم نسخة من القرآن إلى محمد، ولا يؤمن المسيحيون بأن يسوع كتب العهد الجديد وسلمه إلى المؤمنين به.
وينتقل كلام الرب عبر وسائل مختلفة، فقد يكون شيء ما “كلام الله” حتى ولو جاء على أفواه الملائكة أو أفواه الأنبياء أو أقلامهم أو نسخ من الكتاب وما إلى ذلك. ويشمل كلام الله أكثر من مجرد سماع صوت الله مباشرة أو امتلاك شيء ما كتب مباشرة بواسطته.
ويؤمن المسيحيون بأن الإنسانية جزء من خلق الله وأن علاقة الله بخلقه تتضمن تنازله، فالله يتنازل ليخلق ويوصل ويستمع إلى صلوات ومديح شعبه، ويعتبر إعطاء الله الشريعة لموسى ضمن سياق تنازله،
الخروج 19: 18-20 (اطلع كذلك على الخروج 34: 5-7)
وَكَانَ جَبَلُ سِينَاءَ كُلُّهُ مُغَطَّى بِدُخَانٍ، لأَنَّ الرَّبَّ نَزَلَ عَلَيْهِ فِي هَيْئَةِ نَارٍ. وَتَصَاعَدَ دُخَانُهُ كَدُخَانِ الأَتُونِ، وَاهْتَزَّ الجَبَلُ كُلُّهُ بِعُنْفٍ.
وَازْدَادَ دَوِيُّ الْبُوقِ أَكْثَرَ فِيمَا كَانَ مُوسَى يَتَكَلَّمُ، وَالرَّبُّ يُجِيبُهُ بِرَعْدٍ.
وَنَزَلَ الرَّبُّ عَلَى قِمَّةِ جَبَلِ سِينَاءَ، وَنَادَى مُوسَى لِيَصْعَدَ إِلَى قِمَّةِ الجَبَلِ، فَصَعِدَ إِلَيْهِ.
وتنازل الله لا يقلل من مجده، بل يظهره،
المزمور 113: 4-9
الرَّبُّ مُتَسَامٍ عَلَى جَمِيعِ الأُمَمِ، وَمَجْدُهُ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ.
مَنْ هُوَ نَظِيرُ الرَّبِّ إِلَهِنَا السَّاكِنِ فِي الأَعَالِي؟
الْمُطِلِّ مِنْ عَلْيَائِهِ إِلَى أَسْفَلَ لِيَرَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ.
يُنْهِضُ الْمِسْكِينَ مِنَ التُّرَابِ، وَيَرْفَعُ الْبَائِسَ مِنْ الْمَزْبَلَةِ،
لِيُجْلِسَهُ مَعَ أَشْرَافِ شَعْبِهِ.
يَرْزُقُ العَاقِرَ أَوْلاَداً. يَجْعَلُهَا أُمّاً سَعِيدَةً. هَلِّلُويَا.
والرب الأعلى عظيم لدرجة أنه يتواضع – فهو يطل مجازا – لكي ينظر إلى النجوم في السماء! وهو بالتأكيد الرب الجليل الذي ينهض المسكين من التراب ويرفع البائس من المزبلة. ويظهر الله جلاله عن طريق تتويج العاقر في بيتها بكونها أما سعيدة لأطفال. وتمعن في فقرتين أخريين يتحدثان عن تنازل الله وكيف أن هذا التنازل يكشف عن عظمته،
المزمور 138: 5-6
وَيُشِيدُونَ بِكُلِّ أَعْمَالِكَ لأَنَّ مَجْدَكَ عَظِيمٌ.
فَمَعَ تَعَالِيكَ، تَلْتَفِتُ إِلَى الْمُتَوَاضِعِينَ…
إشعيا 57: 15
لأَنَّهُ هَكَذَا يَقُولُ الْعَلِيُّ السَّامِي، الْمُقِيمُ فِي الأَبَدِ، الَّذِي يُدْعَى اسْمُهُ الْقُدُّوسَ: إِنَّنِي أَسْكُنُ فِي الْعُلَى وَفِي الْمَوْضِعِ الْمُقَدَّسِ، وَأُقِيمُ مَعَ الْمُنْسَحِقِ، وَذَوِي الرُّوحِ الْمُتَوَاضِعَةِ، لأُحْيِيَ أَرْوَاحَ الْمُتَوَاضِعِينَ، وَأُنْعِشَ قُلُوبَ الْمُنْسَحِقِينَ.
ويؤمن المسيحيون بأن جلال الرب يظهر في تنازله، وهذه أحد الاختلافات الرئيسية مع الإسلام ولها عواقب واسعة المدى على العديد من الأشياء ومن ضمنها شخص وعمل المسيح[1] وكذلك النظرة للكتابات المقدسة. ويستخدم الله وسائل لكشف إرادته وجعل نفسه معروفا، فاستخدام الله للملائكة أو البشر أو اللغات أو مخلوقات أخرى لا يعني بأي حال من الأحوال تقليل من الحق أو السلطة الربانية. لا يحتاج الله إلى نفي مشاركة البشر في عملية الوحي وحفظه وإشهاره، بل يستخدم الله اللغات والعقل والذاكرة والأفواه ومواد الكتابة والدعوة البشرية، فوجود علامات البشر الشخصية في وحي الله وحفظه وإشهاره يذكرنا بتنازل الله، وبقوته، وبالمعرفة الشخصية لمن يستخدمهم.
والعهد الجديد موجود في نسخ مما تم كتابته بالفعل، ولا تتفق هذه النسخ جميعا مع بعضها البعض. ويمتلك المسيحيون 100% مما كان أصليا في صورة آلاف الأجزاء والنسخ المخطوطة، لكن يوجد حوالي 2% من العهد الجديد نحتاج أن نقوم باختيارات فيما يخص أي قراءة أصلية وأيها غير أصلية، وهذه اختلافات صغيرة ويجب فهم أنه لا يوجد أية عقائد مسيحية أساسية على المحك. وتقرير ما يخص 2% من النص الذي هو محل بحث هو العلم المسمى النقد النصي.
إن حاول أحدهم تغيير كلمات القرآن فكيف ستعرف ذلك؟ ستقوم بمقارنة نسخته من القرآن بالنسخ المخطوطة الأخرى. ضع في اعتبارك التصوير التالي، وهو متطرف قليلا ولكنه مفيد لفهم لماذا لا يزال يمكن للمرء أن يحدد ما هو أصلي حتى ولو لم يعد الأصل موجودا ويوجد اختلافات بين النسخ.
افترض أن عمتك سالي رأت حلما تعلمت فيه وصفة أكسير يحافظ على شبابها إلى الأبد، وعندما استيقظت كتبت التعليمات على قصاصة من الورق، ثم ركضت إلى المطبخ لتحضير كوبها الأول. بعد بضعة أيام تغير شكلها وأصبحت مثالا للشباب المتوهج بسبب جرعتها اليومية مما أصبح معروفا باسم “صوص العمة سالي السرية”.
تحمست العمة سالي لدرجة أنها أرسلت تعليمات مكتوبة بخص اليد إلى رفقائها الثلاثة في لعبة البريدج (لا تزال العمة سالي في عصور الظلام التكنولوجية ولا تعرف ماكينة التصوير أو البريد الإلكتروني) وفي هذه التعليمات تفاصيل عمل صوص، ومن ثم قاموا هم كذلك بعمل نسخ وأرسلوها إلى عشرة من أصدقائهم هم.
كل شيء كان يسير على ما يرام إلى أن قام شناوتزر قط العمة سالي بأكل النسخة الأصلية من الوصفة، ما جعل العمة سالي تفقد أعصابها وتتصل وهي مرعوبة بأصدقائها الثلاثة الذين تعرضوا بغرابة لحوادث مماثلة وفقدوا نسخهم هم أيضا، لذا فالإنذار ينتقل إلى أصدقائهم لمحاولة استعادة النص الأصلي.
في النهاية ينجحون في ينجحون في حصر كل النسخ الباقية المكتوبة بخط اليد، ومجموعها ست وعشرون نسخة، وعندما يقومون بوضعها على مائدة المطبخ يلاحظون فورا وجود بعض الاختلافات. ثلاث وعشرون من النسخ متطابقة تماما، لكن في الثلاث نسخ المتبقية يوجد في واحدة بعض الكلمات المكتوبة بصورة خاطئة، وفي نسخة أخرى جملتين معكوستين (“اخلط ثم قطع” بدلا من “قطع ثم اخلط”) والثالثة تحتوي على مكون لا يوجد في أي من النسخ الأخرى.
ها هو السؤال الحيوي: هل تعتقد أن العمة سالي يمكنها إعادة تكوين وصفتها الأصلية بدقة؟ بالتأكيد تستطيع ذلك. يمكن بسهولة تصحيح الكلمات غير الصحيحة وإصلاح الجملة الوحيدة المعكوسة وتجاهل المكون الزائد.
حتى وإن وجدت اختلافات أكثر عددا أو تنوعا لا يزال من الممكن إعادة تكوين الأصل بدرجة كبيرة من الثقة عن طريق الأدلة النصية الصحيحة، فالأخطاء الإملائية ستكون أخطاء واضحة، وستبرز الجمل المعكوسة وسيسهل إعادتها إلى أصلها، وسيتم التوصل إلى أن إضافة كلمة أو جملة واحدة عن طريق الخطأ لنسخة واحدة أكثر معقولية من حذفها من العديد من النسخ.
هذه بطريقة مبسطة كيفية عمل علم التدقيق النقد النصي (غريغوري كوكل، “حقائق للمشككين في العهد الجديد”).
من الأفضل أن توجد ورقة معيوبة بألف روبية من أن توجد ورقة متقنة مزورة. والسؤال الجوهري ليس ما إذا كان المسحيين أو المسلمين يمتلكون نسخا متقنة أو بها القليل من العيوب، بل أي الدينين صحيح وأيهما مزور.
نسخة معيوبة من ورقة نقدية ليست دليلا على أن ورقة النقود مزورة، فنسخ النقود المعيوبة غير المزورة يمكن استخدامها كنقود. الاختلافات بين أجزاء ومخطوطات العهد الجديد ليست دليلا على أن موت يسوع على الصليب مزورا ولذلك يمكن التغاضي عنها.
ولقد حاول البعض تغيير وإفساد العهد الجديد، ولكن إحدى وسائل الرب لحفظ العهد الجديد تكمن في النسخ المتعددة للمخطوطات، وهذه النسخ المتعددة موحدة في تأكيد أن يسوع مات على الصليب، فنحن نعرف أن هذا أصلي بلا شك. وما يحتاج المسلمون لتوضيحه ليس أن البعض حاول تغيير الكتاب المقدس؛ فالإسلام دليل حي على أن البعض يحاولون تغيير الكتاب المقدس، بل إن ما يحتاجون لتوضيحه بأدلة مخطوطة أو تاريخية أن أحدا آخر يسبقهم تاريخيا حاول تغيير العهد الجديد ونجح في ذلك بحيث أنه يحتوي الآن على تعاليم تفيد بموت يسوع على الصليب، وعدم استطاعتهم تقديم أدلة تفيد بذلك يعني أن القرآن ادعاء مزيف في كونه كلام الله.
[1] كتب المبشر والعالم الديني المسيحي جوناثان إدواردز (1703-1758) عن كيفية أن بشارة يسوع المسيح،